أصبحت أفلام الأكشن في الآونة الأخيرة سلعة رخيصة لا قيمة فنية لها, بالرغم من أنها أكثر الفئات السينمائية المطلوبة والمحبوبة من طرف جمهور السينما وعشاقها لما تحتويه من إثارة ومتعة مشوقة, وتكمن المشكلة في إنعدام الموهبة وفقدان الإبداع في بناء فيلم أكشن مبتكر وملحمي يشد إنتباه المشاهد ويترافق مع قصة جيدة وإخراج ممتاز ومميز. أغلب أفلام الأكشن في السنين الأخيرة تفتقد بإمتياز للعمق الدرامي للقصة وأقواس الشخصيات والأحداث المشوقة وسيطرة مشاهد قتال هزلية لا ترتقي بتاتا لمرتبة “الأكشن السينمائي” والتشويق المطلوب. إلا أن هذه السنة وبمجرد عرضه منذ شهور قليلة على منصة “نتفلكس” أحدث فيلم Extraction طفرة رائعة وتغيير جذري في هذه الفئة السينمائية بالتحديد(فئة الأكشن), وأعاد الحياة لأفلام “الأكشن” الحقيقية المفقودة من فترة طويلة, كما حجز لنفسه مركزا مهما كإحدى أجمل وأروع أفلام الأكشن التي عرضت في الألفية وسطر جيدا المعني الحقيقي والراقي ل”كيف تصنع فيلم أكشن يشد جميع أنواع المشاهدين” وحتى الصغار قبل الكبار وكل أصحاب هذه الفئة وغيرهم لنغدو أمام فيلم أكشن ملحمي رائع من جميع النواحي يستحق المشاهدة عن جدارة. تدور أحداث الفيلم حول أحد زعماء تجار المخدرات في الهند الذي يقوم بخطف إبن زعيم آخر ويتم تكليف رجل المرتزقة “تايلر ريك” بطل الفيلم بإنقاذ الطفل من مكان إحتجازه وتسليمه لعائلته مرة أخرى ولكن المهمة تحدث بها العديد من التعقيدات والمفاجآت الغير متوقعة ونغرق في رحلة سينمائية مثيرة ومشوقة لا مثيل لها. عادة ما تكون سيناريوهات أفلام الأكشن ركيكة وضعيفة للغاية بحيث يتم التركيز الأكبر على مشاهد القتال بعيدا عن بناء الشخصيات ونسيان المعالجة الدرامية للقصة الرئيسية لكن هذا الفيلم كسر هذه القاعدة التقليدية المتعارف عليها في هذا النوع من الأفلام وقدم منذ البداية شخصية “تايلر” (بطل الفيلم) كشخصية ذات خلفية حزينة للغاية وعمقا دراميا مؤثرا وبرز الفيلم شخصية الطفل أيضا ببراعة وتميز ووضوح وجعلنا نتعاطف معه ومع معاناته النفسية وخوفه الشديد, ليقوم الفيلم بربط هذه الخلفيات النفسية بإبداع غير مسبوق لبناء علاقة إنسانية ما بين تايلر والطفل ومع مرور الوقت وتطور الأحداث بشكل مميز, يرتفع الجانب الدرامي والإنساني في القصة إلى أعلى مستوياته ويكسب الفيلم من خلاله إهتمام وتأثير المشاهدين فيصبح فيلما أكشن تختزنه المشاعر والعواطف الجياشة وتدور في فلكه المواقف الإنسانية التي تدمع العين عند رؤيتها ويحترق القلب عند الإحساس بها. ونفيد بالذكر هنا إلى كتاب سيناريو الفيلم, الأخوين روسو, اللذين صمموا جيدا البناء الهيكلي للقصة ودققوا في تفاصيل المشاهد والشخصيات كما يجب فكانت النتيجة ليس فيلم أكشن فقط بل فيلم يبندرج في إطار التشويق والغموض والإنسانيات أيضا والعمق السينمائي الذي افتقدناه في معظم ذلك النوع من الأفلام. ساعتين من الإثارة والمتعة الخارقة غير المتوقفة مع إخراج رائع وكاميرا متحركة أضفت المزيد من التوتر والتشويق بالإضافة إلى تصوير مشاهد القتال بإنبهار كبير وإخراج اللقطة الواحدة المستمرة التي حبست الأنفاس بطريقة فريدة من منظورات سينمائية مختلفة وهذا الشئ ليس مستغربا بإجتماع أصحاب الإختصاص في هذا الفيلم واللذين جعلوه يستحق لقب فيلم “الأكشن” العام. وكان وراء إحراجه مؤدي مشاهد خطيرة معروف جدا بين أفلام “الأكشن والقتال”, المتخصص في المجازفة “سام هارغريف”, الذي كان على دارية كاملة لكيف سينجز تلك المشاهد بإبداع متواصل قابل للتصديق تماما. مشاهد مبهرة وممتعة, طويلة ومعقدة ومنفذة بحرفية وإتقان شديدين مع طغيان عدد من الأفكار الأصلية والمتنوعة على مستوى فلسفة التصوير وجمال الصورة والكادر السينمائي وبمساعدة مونتاج متقن وإحترافي تميز بالإيقاع السريع والموتر لأقصى حد لدرجة لم يسمح لظهور لحظة ملل على مدار ساعتين.
أداء مذهل من جميع الممثلين بدون إستثناء خصوصا الممثل الرائع “كريس هيمسوورث” الذي قدم أداءا مبهرا وجيد جدا في تجسيد أبعاد شخصيته وأثر خلفيته السوداوية وماضيه الأليم على تصرفاته بشكل عام وتطور علاقته الإنسانية مع الطفل بشكل خاص, ممثل مجتهد للغاية ويتمتع بكاريزما عالية جدا على الشاشة وفريدة من نوعها تجعل كل من يشاهده للوهلة الأولى ينسى نفسه ويتعايش معه ومع دوره طوال الفيلم وهذه ميزة من النادر أن نجدها عند الممثلين في السينما اليوم. “Extraction” فيلم ملحمي رائع أكشن ممتع ومسلي للغاية وفي نفس الوقت مؤثر, ولا أبالغ إن قلت أنه أحد أجمل وأروع الأفلام التي شاهدتها في الفترة الأخيرة, فيلما لكل الأعمار بعيدا عن أي مشهد قد يخدش حياء المشاهد
-ايلي طايع-
لمزيد من الأفلام والوجبة السينمائية الدسمة تابعوا صفحتي عبر موقع “إنستاغرام”
@elycinema