فيلم “Freedom Writers” …عنوسة مجتمع وإنهيار وطن
لطالما كانت السينما وستبقى إنعكاسا سحريا لحياتنا ومرآة لا مثيل لها في إبراز قضايانا الحياتية ومعاناتنا وهموم مجتمعاتنا وذاتنا البشرية, ولطالما كان هذا الفن السابع وسيبقى لمدى العمر منبرا في غاية الأهمية بإيصال صوت الإنسان وصرخته ونقمته على صخب الحياة من حوله إلى العالم بأكمله ليغدو فنا من طراز رفيع وإستثنائي قادر على بناء مجتمع أو هدمه بلحظة…وكيف لا؟! وإن كانت القضية التي يعالجها لا تقتصر فقط على الإنسان بحد ذاته بل تنطلق من النفس البشرية وتحلق عاليا في سماء وطن معفن ومجتمع يقهر كل من فيه من جميع النواحي بلا رحمة…
حديثنا اليوم عن التحفة السينمائية الرائعة “كتاب الحرية” للمخرج ريتشارد لاجرافينيز وبطولة النجمة العالمية هيلاري سوانك والذي أحدث فرقا هائلا في أرشيف الأفلام وتاريخ السينما خلال الألفية وفي كيفية تلقي المشاهد للقصة التي تظهر في البداية على إنها إنسانية فقط لكنها في النهاية تكشف عن أنيابها وتصبح قصة وطنية بإمتياز مع نكهة إنسانية إبداعية أصرت على إحداث إختلاف في عقول الشعوب وكانت خطوة ثابتة وقديرة لبناء لاحقا وطن أفضل مع بصيص نور يلوح في الأفق. وهو فيلم دراما حقيقية تم إنتاجه في الولايات المتحدة وصدر في سنة 2007 ويروي الفيلم قصة حقيقية وواقعية تستند على العمل الأدبي “يوميات كتاب الحرية” لكاتبته إرين غرويل وقسمها التي تدرسه, أين كتبوا هذه المذكرات معا, لذلك هذه القصة حقيقية بالكامل. المعلمة الحقيقية “إرين غرويل” وطلاب قسمها الحقيقي قاموا بإنشاء مؤسسة كتاب الحرية وذلك لنشر هذه التجربة في كل الولايات المتحدة والعالم أجمع.
وتدور القصة حول معلمة طموحة تبدأ التعليم في ثانوية للأيتام وأبناء الشوارع والذين يعانون من رفض المجتمع لهم والمشتتين إجتماعيا وعاطفيا بهدف دمجهم مع بقية المراهقين من جيلهم. في البداية تعرف هذه المدرسة بتكوين عدة تجمعات داخلها على أساس الأصل والعرق واللون, كل جزء من التلاميذ ينتمي لأحد المجموعات وينبذ الآخرين. يوجد أربعة مجموعات كبيرة,ومن بينهم ذوي البشرة البيضاء وذوي البشرة السوداء ويتحول هذا الإختلاف الكبير بينهم إلى قضية عنصرية بإمتياز. تواجه هذه المعلمة (هيلاري سوانك) العديد من الصعوبات في التأقلم مع القسم والتقرب من التلاميذ في محاولة منها لدمجهم والتقريب بينهم وحثهم على عدم التفرقة والتآخي وفي تنمية روح المحبة لديهم والسلام الداخلي.
المعلمة في الفيلم “إرين” هي عبارة عن مواطن مكسور داخل مجتمع ضيق ومتخلف يحاول الدفاع عن إستقرار وطنه ومواطنيه (طلابها رغم إختلافاتهم العرقية العديدة) بشتى الطرق وهذه النقطة بالتحديد تذكرنا بشدة بأحوال المواطن اللبناني في هذه المرحلة بالتحديد الذي يعيش ظروفا صعبة وبشكل خاص بعد الأحداث الأخيرة التي حصلت في لبنان وسعيه بدون إستسلام لإعادة بلده الأم إلى أمجاده ودفاعه من كل قلبه (كدفاع إرين عن تلاميذها وحمايتهم من العالم الخارجي القاسي) عن بلده, عن نفسه وعن اللبنانيين بأكملهم. كما وضع الفيلم إصبعه على الجرح بإيضاحه بشكل بارع معاناة كل طالب وحالة الظلم الذين تعرضوا لها والعنف والعدوانية وكانت كل أمنياتهم البسيطة أن يعيشوا في مجتمع يتقبلهم على حالهم ويتقبل إختلافاتهم وأحلامهم وطموحاتهم ووطن يحترم نفسه ويحترم كل إنسان على أرضه مهما كان جنسه,عرقه,ميوله إلخ…ودعى الفيلم برسالة واضحة ومميزة إلى “الحب” وممارسة الحب بتفاصيل التفاصيل وعيشه مع بعضنا البعض فالحب وحده أداة خطيرة بإستطاعتها هدم “وطن الأحلام المحتضرة وسط مجتمع ملئ بالتخبطات العرقية والنزاعات والصراعات” وبناء من جديد “وطن الأحلام النابضة بالحياة وبربيع شباب العمر”. إرين أردات من خلال إستيعابها وإصرارها رغم كل المعوقات أن تساعد طلابها في تحسين مستواهم الدراسي وأيضا الحياتي فجعلتهم يكتبون يومياتهم وآلامهم وهل من وسيلة أفضل من الكتابة في سبيل تخفيف الوجع والألم النفسي والداخلي؟! كما جعلتهم يقرؤون أحداث حياتهم المؤلمة أمام زملائهم حتى يتشاركوا الهموم والآلام سويا, استطاعت تلك المعلمة الملهمة على ما لم يستطع عليه غيرها وكم نحن بحاجة إلى الآلاف من “إرين” في وطننا وفي كل وطن ماتت فيه الأحلام إن لم يكن ماتت فيه الحياة بأكملها وفي كل مجتمع أصبح على شفير الإنهيار.
علمتهم أن يحبوا بعضهم أن يحترموا بعضهم أن يكونوا سندا لبعضهم والبعض وأن يتقبلوا بعضهم رغم جميع الإختلافات ! استطاعت أن تثبت أن تغيير الوطن والمجتمعات يبدأ من تغيير أنفسنا أولا, وأن الألم لا يقتصر على اللون والود والإحترام هم أفضل وسيلة لتقبل الإختلافات وإنشاء أركان تواصل هادفة بيننا. استطاعت بإختصار تغيير حياتهم ومن منطلق حياتهم أصبحت قادرة هي وطلابها تغيير وطن بأكمله…قصة هذا الفيلم الرائع, الملهم والهادف تبدو متشابهة بشكل كبير وبطريقة غير مباشرة مع أحوال كل لبناني, الذي بطبعه يعشق الحياة ويستحق أن يعيش هنيئا في وطنه. إرين وطلابها هم لسان كل مواطن لبناني قادر على البوح بمشاعره وأدنى مطالبه المعيشية في بلد كثرت فيه الأحزاب والطبقات والإختلافات وسلب حتى حق التعبير من أنفس أبنائه. وينتهي الفيلم نهاية سعيدة مشرقة تصدح بالأمل بغد أفضل بعيد كل البعد عن التخلف والرجعية والتفكير الحجري بين ابيض وأسود وتقاليد لا قيمة لها وعادات متخلفة تم سحقها تماما في قالب درامي رائع ثورجي وإنتفاضي ضد كل من يفكر مجرد تفكير في عدم تقبل الآخر والتنمر عليه. ويعطي الفيلم حرية مطلقة ونزعة إنسانية وبريق أمل لكل وطن (لا سيما لبنان) وصل إلى حد الإنهيار والموت بأفكاره الفاسدة ونظامه القذر ولكنه عاد إلى الحياة أقوى من كل مرة ووقف من جديد متخطيا كل الأزمات والعوائق والصعوبات ورافعا راية النصر في وجه كل من يريد إضطهاده !
من يشاهد فيلم “كتاب الحرية” “Freedom writers” لن يرى مجرد فيلما عاديا يمر مرور الكرام بل رائعة فنية سينمائية خالدة وراسخة في الأذهان كالخمر المعتق كلما تقدم بها العمر كلما زادت جمالا وإنبهارا ورونقا فريدا مع إبداع الممثلة العظيمة “هيلاري سوانك” والتي تعتبر من القلائل جدا إن لم تكن لوحدها من أبناء جيلها التي حصدت أوسكار أفضل ممثلة مرتين وهذا الشئ من النادر حدوثه وكفيل لوحده بإبراز وتأكيد مدى عظمتها وروائعها في فن التمثيل على الشاشة الفضية.
-إيلي طايع
Erin Gruwell teaches a class of at-risk students who are divided by their race and harbour animosity against one another. Soon, she decides to unite them and pursue education beyond high school.
Director: Richard LaGravenese
Screenplay: Richard LaGravenese
Producers: Danny DeVito, Michael Shamberg, Stacey Sher